يسوع يشفي صبي فيه روح نجس |
في هذه المعجزة يهدف يسوع إلى إحياء الروح والنفس والجسد أي إحياء الإنسان بكامله وتشجيعه على النهوض والقيام كما يهدف إلى إعطاء حياة جديدة للإنسان وزيادة إيمانه وثقته به.
زمن الحدث: معجزة يسوع هذه حدثت بعد حدث التجلي مباشرةً. فيسوع كان مع ثلاث تلاميذ (بطرس ويعقوب ويوحنا ) فوق جبل التجلي ليصلي. فيسوع كان يصلي ثم يعمل أو بمعنى أخر يصلي قبل أن يقوم بأي عمل مما يعلمنا أن نصلي قبل اتخاذ أي قرار أو القيام بأي عمل بوضعه أمام عيني الرب ونتكل عليه ونعمل بإرشاده وقيادته، لأننا وحدنا لا نقدر أن نفعل أي شيء. كما أن الرب لا يريدنا أن نصلي فقط بل أن نعمل أيضاً، فيسوع نزل مع التلاميذ إلى معترك الحياة إلى المشاكل وتحمل الصعاب ومواجهة الشر.
بقية التلاميذ لم يكونوا مع يسوع بل كان حولهم حشد من الناس وكانوا متحيرين ينتظرون يسوع ويتجادلون بخصوص الصبي المريض. في الآية( 17 و18) يوصف حالة والد الصبي (الأب ) حيث كان خائفاً على ناحيتين الأولى: خائف على ولده المريض لئلا تزيد حالته سوءً.
ثانياً: خائف من معلمي الشريعة (يخاف اعتراضهم إن جلب أبنه ليسوع ).
الوالد بدأ يصف حالة ابنه وكأن يسوع طبيب أمامه، كما أنه كان حائراً فيما إذا كان يسوع يقدر أن يشفيه أم لا وهذه الحيرة ناتجة عن عدم الثقة بيسوع بأنه قادر على الشفاء مما يسبب القلق حيث قال " فإذا كنت قادر على شيء فأشفق علينا " (مرقس 9 ) وهذا ما يحدث لنا أيضا ففي وسط مشاكلنا وحيرتنا نشك بقدرة يسوع على حلها لكن علينا لكن علينا ومثل هذا الأب والد الصبي نتقدم بمشاكلنا إلى يسوع وطلب المساعدة وتسليم ذواتنا للرب ليعمل بها مهما كانت مصاعبنا وحزننا ويأسنا.
حالة الصبي: " به روح نجس وأبكم " (مرقس 9 )
إن أبكم يعني أخرس لا يتكلم والأخرس يكون أصم لا يسمع. والأصم عادةً لا يقدر أن يتعلم الكلام. فالصبي به روح نجس والروح النجس أي الشر وهو سبب الأمراض النفسية وغالباً ما يكون الشر موجود داخل الإنسان أو المرض النفسي منشأه من الطفولة كما ذكر والد الصبي وقال:
" من أيام طفولته " (مرقس 9 ) فأغلب الأفكار الشريرة أو الأمراض النفسية يكون منبعها وبدايتها من الطفولة نتيجة التربية الخاطئة أو القاسية أو المحيط أو المحيط السيئ الذي يتربى به الطفل.........الخ فتكبر في الإنسان وتحتل كل كيانه( تملكه ). هذا الشر يجعل الإنسان في البداية " أصم “ فلا يسمع كلام الله الشافي لدوا خله ولا يقدر أن يصدق محبة الله فبالتالي سيصبح "أبكم " أيضاً أي لا يتكلم عن الله عن كلمته ولا يشهد له حيث أن الشر حينما يكب داخل الإنسان سوف يبتعد عن اختبار أي أمور دينية أو اجتماعية أو شركة مؤمنين ويبعده عن الكتاب المقدس وعن الصلاة وبالتالي يشعر بالذنب مما يجعله يبتع أكثر عن أي اختلاط بمؤمنين أو صلاة، ولأنه لم يختبر محبة الله فلا يقدر أن يتحدث عنها.
فأن كان الله في قلوبنا سيفيض ( يفيض أنهار ماء حي ) ويجعلنا نعطي من هذا الفيض للآخرين.
أما الابتعاد يجعلنا في حالة الجفاف " يتيبس " كما ذكر والد الصبي. أن سبب هذا التيبس هو الابتعاد عن الله. أن يسوع الذي يعطي ماء الحياة هو الذي سيروينا ويحمينا من التيبيس.
لماذا لم يقدر التلاميذ أن يشفوا الصبي ؟ ذكر والد الصبي بان تلاميذ يسوع لم يقدروا أن يشفوه لأنهم كانوا بعيدين عن يسوع حيث أنه كان فوق جبل التجلي وهم كانوا وحدهم أسفل الجبل.
فهكذا حينما نكون بعيدين عن يسوع لا نقدر أن نفعل شيء وحدنا دون الرجوع إليه والأخذ بإرشاده والصلة المستمرة به.
دور يسوع:- أن يسوع المحب لا يرفض أحداً مهما كانت أمراضه ُ أو خطاياه فهو يقبلنا كما نحن أنه عطوف مضحي بوقته في سبيل شفاءنا وراحتنا، أنه مستعد لحمل كل أوجاعنا وأثقالنا ليعطينا بدلاً منها قيمة حقيقية لذواتنا، ولا توجد أي علة ينفر منها يسوع لأنه ينظر إلي القلب وليس إلى الخطيئة أو المرض كما أنه حازم (إلى متى أبقى معكم وإلى متى أحتملكم ) مرقس 9
إنه يتعب بمحبة وبنفس الوقت يوجه ويعلم ويدرب لأيمان أقوى، فهو يريد أن يقول: متى ستعلمون بأن لو كان أمامكم جبل من الصعاب فعليكم تحويل نظركم من الجبل إلى الله أولاً لتروا كيف يريدكم أن تتعاملوا مع هذه الصعاب. لكننا في كل مرة نرجع ونعيد نفس الأخطاء ونحيد عن الطريق. فيسوع يريدنا أن نثبت في اليمان ونثق حتى وأن كنا لا نرى أمور ملموسة (طوبى لمن يؤمن ولم يرى ).
أن الروح النجس لا تجرؤ على مواجهة يسوع وإنها تحاول الهرب منه. يذكر في ( الآية 20 )
" فلما رآه الروح النجس صرع الصبي فوقع على الأرض يتلوى “ فالروح النجس تتحرك باضطراب أمام يسوع محاولة إخفاء نفسها داخل الصبي أو إدارة وجهها عن يسوع لأنها لا تقدر أن تقف صامدة أمام يسوع. فالشرير مهما كان قوياً لا يقدر أن يقف صامداً أمام يسوع لأن يسوع له سلطان على الشر وهذا السلطان قادر أن يقهره.
لكن سلطان يسوع هذا لا يعمل فينا إلا متى سمحنا ليسوع أن يتدخل في حياتنا ويساعدنا للتغلب على الشر أو الخطيئة التي بداخلنا.
ثم سأله يسوع متى بدأ عنده هذا ؟ أجاب الأب منذ طفولته ، يؤكد أن الأمراض النفسية والخطايا يكون منشأها من الطفولة وتكبر فينا وعندما يكبر الشر فينا نتصرف تصرفات تنعكس سلبياً علينا وتجعلنا نقع في التجربة نتيجة خطايانا . وهذا ما يؤكده النص في ( آية 22 ) " وكثيراً ما ألقاه في النار أو في الماء ليقتله " فخطايانا تكون سبب في قتلنا أي الموت الروحي. ولا يوجد أي شيء يخلصني من الهلاك إلا يسوع والإيمان بخلاصه.
أن والد الصبي لم يكن له الثقة الكاملة بخلاص يسوع لأنه قال" أن كنت قادر على شيء فأشفق علينا " فهناك شك بقدرة يسوع لكن يسوع أجابه " أن كنت قادر أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن " فالإيمان بيسوع هو طريق الشفاء. فالصراع مع الشر مستمر مدة الحياة والطريق الوحيد للانتصار عليه هو الإيمان بخلاص يسوع. فهو الوحيد القادر أن يخلصنا من شر دواخلنا وشر العالم ولا نقدر على ذلك بجهودنا الذاتية.
"في آية 24 " أنا أؤمن ساعدني كي يزيد “ هذه الآية يجب أن تكون صلاتنا " يا رب زد ني إيماناً " لأن الإيمان ممكن أن يضعف نتيجة لعوامل كثيرة منها مشاغل الحياة، الخطايا، المشاكل أمور العالم التي تبعدنا عن الله وتضعف إيماننا. فيجب أن نبقى على اتصال دائم مع الله بالصلاة ونطلب زيادة الإيمان وسط المشاكل والضعفات.
فالإيمان هو عطية من الله لكن نموه وزيادته تتوقف على الإنسان ومدى ثقته بالمسيح وإتباعه له واتكاله عليه.
في آية 25 " أيها الروح الأخرس الأصم “ أن يسوع يحدد العلة، فعندما نضع مشاكلنا أمام يسوع فهو يكشف لنا عن موقع ومكان العلة، كما يكشف لنا عن دورنا في المشكلة ودور المقابل ودور الله وعمله وموقعه أثناء المشكلة.
أن والد الصبي يعرض مشكلة أبنه أمام يسوع ويقول أنه أبكم لكن يسوع ينتهر الروح النجس ويصفها بالأصم الأبكم فيسوع يجعلنا أن نحدد بالضبط الضعف الذي فينا وثم يأمر الروح النجس " أني أمرك “ بأن يخرج من الصبي، ثم يضيف " ولا تعد تدخل إليه مرة أخرى " فبمسيرتنا مع يسوع لا يقدر الشر أن يغلبنا وسوف نستطيع التمييز بين إرادة الله وبين الشر لكن يجب أن نريد ذلك. هذه مسؤولية الإنسان.
ويستمر يسوع بمتابعتنا والأخذ بأيدينا كما فعل مع الصبي " يأخذه من يده وينهضه فنهض " فهو يقودنا ولا يتركنا وحدنا أبداً.
أن الإنسان المتعب والمثقل بالخطايا لا يقدر في بعض الأحيان أن يرى يسوع ولا يقدر أن يقدم مشكلته إليه لعدم وضوح الرؤيا أمامه أو نتيجة الخطيئة يخاف أن يأتي إلى يسوع خوفاً من الإدانة أو الرفض فهنا يكون هذا الإنسان بحاجة إلى مرشد لتوجيه نظره إلى يسوع.
فمهما كانت أمراضنا وخطايانا والشر الذي بداخلنا فيجب أن لا نجعلها تكبر فينا كما في هذا الصبي ولا تسيطر علينا وتبعدنا عن الله فمهما كبرت الخطيئة فنعمة الله أكبر بكثير والله قادر أن يمنحنا السلام والشفاء لأن بعمله على الصليب أزال كل هذه الآثام والخطايا وأعطانا بداية حياة جديدة ويريدنا أن نقوم بقيامته لأنه يدعونا إلى محبته.
وأخيراً لا سبيل للخلاص بعيداً عن يسوع "أحضروه إلي " فكل تعبان ليحضر إلى يسوع لأنه قال " تعالوا إلي يا جميع المتعبين وأنا أريحكم".