الدعوة |
في الحياة دعيات كثيرة موجهة لكل منا، دعوة للعشاء، للزفاف
دعوة للصداقة، للحب
دعوة للعمل...
فهناك دعوة ورسالة في كل عمل نقوم به في الحياة.
لكن هناك دعوة خاصة وشخصية لكل منا، دعوة من الذي أحبنا وفدانا، دعوة من الذي قدم لنا الحب والرحمة والحياة الأفضل، دعوة من ربنا يسوع المسيح.
أخي المؤمن...
هناك دعوة موجهة من المسيح لكل شخص بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
أما مراحل الدعــوة فهي:
- المسيح يدعونا للدخول في علاقة خاصة معه من خلال الإقامة معه (الاهتداء).
- على المؤمن المدعو واجب دعوة الآخرين (التبشير).
- المسيح يدعونا إلى الإبحار في العمق، عمق سر المسيح، عمق سر الإنسان.
- المسيح يدعونا إلى البرية.
ندعوك أخي الزائر للتعمق في هذه المراحل الأربعة...
يوحنا (1: 35-40)
نلاحظ تلميذا يوحنا كيف تركا معلماهما عندما أشار المعمدان إلى يسوع المسيح قائلاً:
هذا هو حمل الله
ما لذي نلمسه من موقف يوحنا المعمذان؟
انه تواضع كلي وتمييز عميق إلى أن دوره قد انتهى، هيأ الطريق وأدى شهادة الحق لمن هو الطريق والحق والحياة.
أما التلميذان اتخذا موقف يدل على نضج روحي خالي من أي تعلق عاطفي بمعلميهما مركزين على الهدف من تعليمهم ألا وهو الالتقاء بالمسيح المنتظر، واثقين بشهادة معلميهما.
ينتبه يسوع وهما يتبعانه فيلتفت إليهما ويسألاهما : ماذا تريدان؟
ألا يعلم حقاً مبتغياهما!
إنما يعلم جيداً ماذا يريدان لكنه يريد أن ينقي دوافعهما وذلك من خلال مواجهتهم لأنفسهم.
هل نتبع المسيح حقاً لننال الخلاص ممجدين اسمه في كل مكان؟
أم نريد راحتنا ومصالحنا أو إثبات وجودنا؟
الغريب أن التلميذان يجيبان السؤال بسؤال (أين تقيم؟)، لأنهما لا يعرفان حقاً ما لذي يريدانه، لكن لهما رغبة صادقة في المغامرة والسعي حيث يقيم يسوع ليقتربا منه أكثر وأكثر.
أجاباهما يسوع جوابا حدياً وحاسماً وببالغ الحكمة قائلاً " تعالا وانظرا " وهذا يعني؛ أختبر ثم قرر بكامل وعيك وبحرية تامة هل تتبعني أم لا ؟
أترى أين يقيم؟
مكان إقامته ليس مكانا محدداً ليشير إليه، إن محل إقامته هو مطلق غير خاضع لمقاييس الزمان والمكان فهو الرب يسوع يقيم في حضن الله ألآب أمس واليوم وغداً.
نعم مكان إقامته يعني الدخول معه في علاقة منفردة ومتميزة، يعني حياة نعيشها معه وفيه وله، يعني اهتداء وولادة جديدة.
وهذه الولادة تتطلب البحث والمثابرة والتخلي للوصول إلى الإقامة معه.
هذا الوقت السعيد الذي يتوج باللقاء الأول مع يسوع له ذكرى عزيزة على القلب ومحفورة في الذاكرة، ولهذا يذكر الإنجيلي يوحنا " إنها كانت نحو الساعة الرابعة بعد الظهر ".
التلميذان هما اندراوس اخو بطرس، والآخر هو يوحنا الحبيب كاتب الإنجيل الرابع.
يوحنا 1: 40-42
تأملنا سابقاً كيف أن اندراوس التقى بيسوع وأقام معه لأول مرة وألان سنتأمل في مدى تأثير هذا اللقاء عليه. إذ أنه ذهب إلى أخيه بطرس وبشره بخبر مفرح طالما انتظره الشعب المختار آنذاك،
وجدنا المسيا، ثم جاء ببطرس إلى يسوع، لم يحتفظ اندراوس بإيمانه لنفسه ولم يكتفي بأن يفرح وحده بل أراد أن يشرك الآخرين بما اكتشفه وان يفرح الآخرين مثله مبتدأ بمن يهمه أمرهم،أخيه بطرس.
من المؤكد أن بطرس تفاجأ من استقبال يسوع له حيث أعطاه اسماً جديداً، من سمعان إلى بطرس (كيفا أي الصخر)، وتغير الاسم يعني تغيير جذري في حياته.
نظر يسوع إلى بطرس فلم يرى ماهو عليه ألان بل ما سيكون في المستقبل بعد أن ينال نعمة الخلاص، ولهذا منحه رسالة جديدة من خلال تغيير الاسم إذ يذكر متى في ( 16: 18)، أنت صخرُ وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي فلن تقوى عليها أبواب الجحيم ".
وهنا يتكرر نفس الحدث مع فيلبس ونثنائيل في موضوع الدعوة في يوحنا ( 1: 43-51)
التقى يسوع بفيلبس ودعاه لأتباعه.
وكان لفيلبس موقف عملي صادق.
أولا قبل المغامرة واضعاً ثقته في يسوع . ثم توجه لصديقه نثنائيل ليبشره "وجدنا الذي ذكره موسى في الشريعة ، والأنبياء في الكتب وهو يسوع أبن يوسف من الناصرة ".
اهتم فيلبس بأن يكون مقنعاً فأعطى مؤشرات وتفاصيل محددة عن شخصية يسوع نابعة من معرفته بالكتب واقتناعه بل إيمانه بابه هو يسوع المسيح.
لم يقل فيلبس وجدت بل وجدنا وهذا يعني أن هناك آخرين وكان يقصد اندراوس وبطرس حيث إنهم الثلاثة من بيت صيدا.
وبالرغم من جهود فيلبس إلا أن ردة فعل نثنائيل كانت حاسمة " أ يخرج من الناصرة شيء صالح ؟" ، ومع ذلك لم ييأس فيلبس ووضعه إمام الأمر الواقع:
تعال وأنظر، انه نفس جواب يسوع لتلميذي يوحنا المعمذان.
فعلاً وضعه فيلبس أمام الأمر الواقع فأن كنت تنتظر المسيح المخلص فابذل جهوداً للبحث عنه، أنظر واختبر ثم احكم بنفسك أن كان هو أم لا.
عجباً كم كان إيمان فيلبس كبيراً بشهادته عن يسوع ،قوياً في اسلونه، ثابتاً، مقنعا واثقاً من إن لقاء يسوع بنثنائيل سيغير فكره.
وعجباً كم كان انتظار نثنائيل ليسوع طويلاً ، وكم كانت حاجته للمسيح المخلص فأتخذ موقفاً ايجابياً في الذهاب إلى يسوع، ما كان متعصباً ولا حدياً في حكمه على أهل الناصرة، شخصية غير عنيدة ولا متكبرة، هدفه واضح، ومستعد للمغامرة عله يلتقي حقاً بالمسيح المخلص.
وكان اللقاء حاراً، تماماً مثلما توقع فيلبس.
لأن كلمات يسوع لمست قلب نثنائيل حالاً، إذ وصفه يسوع "إسرائيلي خالص لا غش فيه" أي انه فعلاً إنسان ملتزم وأمين لمبادئه الدينية.
اندهش نثنائيل من يسوع الذي يعرف نواياه الصادقة وشعرَ بنظرة يسوع الثاقبة والفاحصة للقلوب . وأعلن حالاً انه ابن الله وملك إسرائيل.
وبعد إعلان نثنائيل يكشف يسوع سره الإلهي انه هو الوسيط ، هو من سيمزق حجاب السماء فيفتحها ، هو من سيحقق المصالحة بين الله والإنسان.
"الحق أقول لكم : سترون السماء مفتوحة وملائكة الله صاعدين نازلين على ابن الله ".
تأمل في انجيل(لو : 1-15)
كان الناس مزدحمين حول يسوع ليستمعوا إلى كلام الله فقرر يسوع الصعود إلى احد القاربين الراسيين عند الشاطىء وذلك لسببان : أولهما أن يقترب من بطرس أكثر حيث انه جلس في قاربه، والثاني لا يريد يسوع أن يتعلق الناس بوجوده الأرضي الملموس فقط بل يريدهم أن يتجاوزوا جسده متعلقين بكلامه وروحه كما حصل مع المجدلية وقت القيامة عندما قال لها " لا تلمسيني بل اذهبي إلى أخوتي" .
ورغم كلامه مع الجموع المزدحمة إلا انه كان منتبهاً إلى أن الصيادين يغسلون شباكهم الفارغة بعد عناء الليل بطوله.
لذلك بعد أن أنهى كلامه مع الجموع طلب من بطرس أن يسير بالقارب في العمق ويرمي الشباك، إذن بعد أن أشبعهم روحياً كان يهتم بحاجتهم المادية.
لم يرفض بطرس المحاولة رغم التعب واليأس لكن طاعته كانت بعيدة عن أي ثقة أو توقع بالمعجزة ، ولهذا فمشاعر بطرس بعد المعجزة كانت مشاعر مختلطة بين الفرح والدهشة من فعل يفوق الطبيعة ومن اكتشاف جديد حول شخصية المسيح الإنسان حيث دخل إلى عمق سر شخصية المسيح الإله وفوراً وقع عند ركبتي يسوع قائلاً
" ابتعد عني يا سيدي أني رجل خاطىء" . اكتشف بطرس ذاته عندما اكتشف قدرة المسيح الألوهية، معترفاً بكونه رجل خاطىء فهو غير مستحق أن يكون قرب المعلم البار الصالح.
يسوع شجع بطرس مبيناً له ثقته الكبيرة في انه سيكون بعد اليوم صياد بشر.
الكثير من الأحيان التي نشعر فيها باليأس يدعونا المسيح للإبحار في العمق وعندها تحدث المعجزة فنتعرف أكثر وأكثر إلى الرب يسوع ، وفي نفس الوقت نكتشف سر نفوسنا الضعيفة والخاطئة.
أخيرا إن كل ما نقوم به من أعمال متكلين فيها على أنفسنا هي فاشلة، أما ما نقوم به متكلين على كلمة المسيح وإرشاده هي أعمال مثمرة تصل حد المعجزات أحيانا.
(أع 8: 26 – 40 )
ان الله يدعونا بطرق مختلفة وقد تكون دعوته لنا غير مفهومة لأنها إلى البرية كما دعا فيلبس (أع 8: 26 – 40 ) لكنه بالتأكيد يريد ان يستخدمنا لإتمام عمله، فعند الله طرق ابعد بكثير مما نعرف وهو عندما يريدنا في مكان آخر لا يتركنا للحيرة والقلق لكن يدبر لنا مستلزمات الطريق، فلا داعي للخوف من كوننا وحدنا لأنه معنا يفتح لنا الطريق الذي يريده لنا ويقدم المساعدة، فعنايته ليس لها حد وتأتي بطرق عجيبة.
الله يدبر لفيلبس الخلاص بأن أخرجه من السامرة وبنفس الوقت دبر للحبشي الخلاص على يد فيلبس بأن فتح عينيه على يسوع والحق الإلهي. فالله يستخدمنا الواحد تجاه الأخر لإتمام خلاصه.
يبدأ النص ( وكلم ملاك الرب فيلبس ) كيف يكلمنا الرب عن طريق الملاك ؟ الرب يكلمنا بطرق مختلفة بالكتاب المقدس أو عن طريق احد المؤمنين أو عن طريق وعظ بكنيسة أو محاضرة، المهم ان نفهم ذلك وان تكون قلوبنا متفتحة مسلمين ذواتنا للرب سامحين له بالعمل في داخلنا بقوة الروح القدس. الله متكلم عظيم وليس ساكت لكن أحياناً لا نسمعه والخلل فينا نتيجة انشغالاتنا واهتماماتنا الدنيوية. هو يعمل باستمرار ولا يتوقف حتى لو أحسسنا في بعض الأحيان انه بعيد ولا يعمل شيء لأجلنا. فالانفتاح والتسليم يجعلاننا نحس بعمل الله ويجعلنا قادرين على سماع كلمة الله من خلال الإحداث التي حولنا. (فقال له ) الله دائماً لا يقول ما يخالف كلمته. ربما اسمع كلام قد يكون الجواب لحالتي لكنه مخالف لكلام الله في الكتاب المقدس إذن هو ليس من الله يجب أن يكون ما اسمعه موافق للكلمة حينها أقدر أن أقول انه أمر الله لي ودعوته إلي.
( قم واذهب ) الرب يأمرك بأن قم، تحرك، امشي، اذهب....الخ هذا ما نلاحظه دائماً في حديث يسوع مع المشلول¸ مع الصبية الميتة....الخ. فالله لا يريدنا ان نجلس كالكسالى لكن علينا أن نعمل. فعمل الله لا يتم إلا بالتعاون بينه وبين الإنسان، فأن طلبت من الله الخلاص من أمر ما أو حل لمشكلة فالله يأمرني اعمل باتجاه معين، فأن لم أتحرك بهذا الاتجاه فسوف لن أرى حل لمشكلتي، ليس بالضرورة أن يكون خلاصي في طريق سهل، قد يكون الطريق صعب ووعر وبه مشاكل لكن في نهايته الخلاص كما هو الحال مع فيلبس حيث يأمره الرب ( قم وأذهب نحو الجنوب )أي نحو الأسفل إي ليس به ارتفاع. هذا يدل أن خلاص الرب وأمره لنا ليس بالضرورة إن يكون في طريق سهل أو به رفعة أو علو فقد يكون طريق متواضع أي خدمة بسيطة وقد يبدو للإنسان بأن به تقليل للشأن لكنه يحفظ قيمتنا الحقيقية لديه.ولكن كما يذكر في النص (في الطريق ) أي لا أحيد عن الطريق مع يسوع. فمادام كل أمر أنفذه من الله يجعلني أسير في طريق يسوع فليس المهم أن يكون صعب أم سهل، مريح أم متعب، المهم هو وجودي في الطريق مع يسوع حتى ولو كانت كما يقول النص (مقفرة ) فأي خدمة في الكنيسة أو خارج الكنيسة أقدم فيها شيء للآخرين الله ين ظر لها بقيمة كبيرة مهما كانت هذه الخدمة متواضعة لأن الله يعطينا وفق إمكانياتنا ولا يطلب منا فوق طاقتنا فالذي يعمل أكثر مني هذا لأن الله أعطاه مسؤولية اكبر وفق طاقته وإمكانياته.
(فقام وذهب ) أي أطاع فالطاعة شرط من شروط التلمذة وأتباع يسوع، فعندما اسمع أمر الله علي أن أطيع أي أقوم وأمشي وأذهب حيث يوجهني حتى لو كنت لا افهم ولا أدرك ما يريده مني. ولما أقوم بهذه الخطوة (الطاعة والقيام والمشي ) ستنفتح إمامي طرق الله وتتوضح إرادة الله لي حينها اقدر أن أرى بالتدريج ما يريده الله مع إنني في البداية سوف لا افهم، لكن ستتوضح لي قصد الله لاحقاً وبالتدريج. فهذا ما فعله فيلبس أطاع الله وقام وذهب إلى البرية مع انه لم يفهم في البداية، وأكيد كان خائف وقلق وربما حزين لأنه ترك المكانة التي وصل إليها في السامرة والحياة المريحة هناك. وفي البرية يتوضح قصد الله من اختيار فيلبس ودعوته حيث رأى أمامه رجل حبشي ( وإذا برجل حبشي ) رجل غريب كان في أورشليم وراجع إلى الحبشة. فقبول فيلبس لدعوة الله وطاعتها هي بداية لخلاص شعب كامل وهو شعب الحبشة وإيمانهم بالمسيحية عن طريق الرجل الحبشي. فالله لم يكتف بعمل فيلبس في السامرة بل أراده أن يعمل ويبشر بنطاق أوسع من ذلك ( في الحبشة ) فالله له طرق عجيبة ومختلفة لدعوتنا لأن له أسبابه التي قد لا نفهمها في البداية وهو يريدنا دائماً في حركة وتطور فعندما ننجز عمل ما يوجهنا لعمل أكبر منه ويوسع مسؤولياتنا ولا يجعلنا نقف في مكان واحد دائماً بل هناك تجدد واستمرار للأحسن. ففي وقت الدعوة لا نفهم قصد الله وعمله معنا لكن عندما يتم الحدث سوف يتبين قصد الله بعد وصولنا إلى النهاية.
في يوحنا 12: 16 يقول ( ولم يدرك تلاميذ يسوع أول الأمر أن هذا إتمام للنبوءة ولكن بعدما تمجد يسوع تذكروا ان الكتاب قال عنه هذا ). فبعد قيامة يسوع فهم التلاميذ الكثير من النبوءات التي اخطأوا فهمها مدة طويلة فأخذت أعمال يسوع معنى جديد عندهم بعد القيامة باسترجاعهم الماضي فرأوا كيف قادهم يسوع إلى فهم حقه بصورة أعمق وأفضل. فنحن أيضاً عندما نتوقف ونفكر في أحداث الماضي نرى بوضوح كيف تمت حياتنا بقيادة الله وقادتنا إلى هذه النقطة وكلما نكبر كلما نرى حياتنا السابقة وكيف كان يتدخل الله فيها فدائماً يجب أن ندع لأنفسنا المجال برجاء وانتظار قصد الله وإرادته في حياتنا.
الان الله يأمر فيلبس ( رافق تلك العربة ) حيث أن طاعة فيلبس لله في طلبه (قم واذهب ) جعل الله يعطيه أمر أخر جديد هو (رافق تلك العربة ) وكلما اطعنا الله في خطوة أو أمر يعطيه إلينا سوف يعطينا الخطوة التالية.
فالله يعطي ألان لفيلبس أمر جديد بالتقدم والعمل وتقديم المساعدة، بالخدمة بالعطاء بالمحبة بمرافقة تلك العربة . كان في العربة الرجل الحبشي وهو رجل تقي يخاف الله ولكن لا يعرف الله بشكل صحيح ولم يفهم كلمته رغم انه كان قد ذهب ليحج وراجع إلى دياره. فالله أعطى لفيلبس دور ومسؤولية ورسالة هي تفهيم الحبشي ما يقرأه فيقول (اتفهم ما تقرأ) نحن أيضا نسأل أنفسنا هل نفهم ما نقرأ أم نقرأ بمجرد الواجب الذي يحتم علينا قراءة الإنجيل ونصبح مثل ذلك الفريسي الذي يقول أنا أصوم وأعطي الفقراء وأصلي ولم تبقى لي خطيئة. إننا لا نقرأ لمجرد القراءة وكأنها قصة لكن بقراءتنا نتعرف على شخص المسيح، نتعرف على صفاته، محبته، وماذا يريد منا، وكيف يريدنا إن نحيا؛ طريقته بالتعامل معي، أي إن نفهم يسوع. فالحبشي هنا يعترف انه لا يفهم دون ان يشرح له احد، فضروري أن نعترف عندما لا نفهم ونحتاج من يشرح لنا لنفهم من هو يسوع لأن الفهم سينقلنا إلى عالم جديد ويحول حياتنا ويلمس روحنا فنحيا بولادة جديدة. القراءة بفهم يعني التغلغل في الكلمة ( كلمة يسوع ) وهذا لا نقدر ان نصل إليه بقراءة سطحية فقط لأن هذا سوف يجعلنا نفهم اعماق الكلمة التي يريد ان يوصلها لنا يسوع فيجب دراسة الكلمة والتعمق بها والتأمل المستمر في متضمناتها والتشبع بتعاليمها حتى تصبح الكلمة جزاً لا يتجزاً من كياننا ونقدر ان نعيشها. نحن لا ندرس الكلمة كقانون أو كشريعة لكن لنعرف ما يريده الله ان نفعله لأن الكلمة هي ليست مجرد بنود نظرية لكن القصد منها ان تتجسد في حياتنا العملية. أي ان نعيش الكلمة يومياً بما يناسب ظروفنا.
نعود الآن إلى فيلبس الذي عرف قصد الله فالله لم يستغني عن عمل فيلبس في السامرة لكن بدون شك أراد إن يستخدمه في مكان أخر. فعندما نعترف بحاجتنا للفهم ندع قلبنا ينفتح بهذا الاتجاه (أريد إن افهم ).
( ودعا فيلبس ان يصعد إلى العربة ) كيف ادع نفسي تفهم ما لا تفهمه ؟ الجواب هو ان اسمع الدعوة ( دعوة الله ) واسمح لنفسي بتلبيتها . فإذا دعيت بمحاضرة علي أن انفذ وأطيع، إذا دعيت لخدمة يجب ان أقوم وأسير بهذا الطريق، ويسوع في معجزاته دائماً يأمرنا (قم وأمشي ) أي ان أتقدم أو أن أدعو المؤمن المقابل بأن يساعدني لأن دعوة الله غالباً ما يرسلها مع مؤمن يحمل الهام الروح القدس في داخله ويكون هو أيضا مدعو لاستقبالي ولمساعدتي لتوصيل كلام الله لي ولتفتح ذهني. فنلاحظ عمل الروح القدس في الرجل الحبشي حيث وجه وبمساعدة فيلبس الذي استخدمه الرب لمساعدة الحبشي ليحدثه عن يسوع والنبوءة ليسوع ويشرح له الحق الإلهي. فالله عمل مع الاثنين مع فيلبس ومع الرجل الحبشي. مع فيلبس لأنه أراده في مكان أخر ونطاق أوسع وخدمة اكبر، وللحبشي لأنه أراده أن يعرف يسوع، طرق قلبه (ها أنا واقف على الباب اقرع ) يسوع يقرع قلوبنا دائماً وغالباً ما يكون هذا القرع بواسطة أحداث أو بواسطة أشخاص يدعونا للأيمان . والله لم يكن يدعو الحبشي لاهتدائه ومعرفته بيسوع لنفسه فقط بل لكل أهل الحبشة حيث ان شهادته كانت بداية الشهادة إلى أقاصي الأرض وأنه ادخل المسيحية إلى مراكز القوة في بلاده وهذا ما تنبأ به اشعيا بأن الامميين والحبشيين سينالون بركة (اشعيا 56: 4 – 5 ).
فالله له طرق واستخدامات عظيمة ومتباينة للمستعدين لطاعته بكل قلوبهم. ( وبينما كانت العربة تسير بهما وصلا إلى مكان فيه ماء ) ففي أثناء سيري في طريق الرب، في أثناء فهمي التدريجي، في أثناء نموي بالإيمان سأنال البركة التي هي ماء الحياة. ( فقال ألخصي ها هو الماء ) أي وصل إلى نقطة الاهتداء والمعرفة الحقيقية ليسوع ماء الحياة فيقول (فماذا يمنع ان أتعمد ) عندما أصل إلى نقطة الاهتداء لا اقدر ألا أن اسلم نفسي بالكامل ليسوع، اغتسل من الماضي أي اترك الماضي خلفي وأنساه. ويسوع أيضاً ينساه وأبدأ بالمسير خلف يسوع. أصبح إنسان جديد أسير بطرق يسوع (اتبعه ) أي اقتدي به بالكامل مع الله وأحييا بقيادة الله وأؤمن بابن الله. فكانت ولادة جديدة وتغيير جذري لأثنين فيلبس والرجل الحبشي. ولادة جديدة لفيلبس لأنه اختبار جديد له وكل اختبار نمر به هو بمثابة ولادة جديدة بالنسبة إلينا لأنه سيعلمنا شيء جديد ويعرفنا أكثر عن حقيقة الله فتزداد علافتنا توطيداً مع الله فنزداد عمقاً مع الله . وكانت ولادة جديدة للحبشي الذي عرف يسوع المخلص وعرف ان خلاصه وخلاص شعبه لا يتم ألا عن طريق يسوع.
الخبر المستقاة من النص في حياتنا اليوم:
ان الله عندها يختار شخص يعطيه رسالة مثلما رأينا مع فيلبس والرجل الحبشي فاختياره للاثنين ودعوته لهما كان يتضمن رسالة لكل واحد منهم فاليوم الله عندما يختارك ويريد منك شيئا فهل ستقبل دعوة الله لك ؟ هل ستفهم هل ستفتح ذهنك وقلبك لتستقبل دعوته أم تصم أذناك وتتحجج بأن لا وقت لديك أو لا فائدة من هذا الطريق أي هل ستقبل ان تسير بالطريق الذي يريدك الله أم سترفض ؟ .
ليس بالضرورة ان تكون الدعوة هي خدمة وعمل قد تكون أمور بسيطة جداً في حياتنا لكن تعطي نفحة فرح في حياتنا هل ستنفذ أم تنظر لأمور العالم فقط ؟ فيسوع عندما اختار التلاميذ وأعطاهم رسالة كان مثل الذي زرع بذرة في الأرض ورواها بدمه ولم يكن في الظاهر تبدو بأنها ستصبح ثمرة وبعد صلب يسوع كان يبدو اختياره لتلاميذه وكأن به فشل وليس نجاح أو ربما فشل كبير ونجاح قليل لكن نرى ان هذه البداية الصغيرة وصلت إلى العالم اجمع. مثل الخميرة الصغيرة تخمر العجين كله، فكأنه يقول لهؤلاء الأحد عشر تلميذاً يكفيني ان أغير العالم بكم. فكان يسوع لديه ثقة بالله وثقة بالإنسان فاليوم الله لديه ثقة بنا بأننا قادرين على أداء رسالته أو عمله أو أي عمل كان. فنحن أيضا يجب أن يكون لدينا الثقة بالله والثقة بأخوتنا المؤمنين بهذا تصبح الحياة بلا حدود بالنسبة لنا حيث تؤدي بنا إلى معرفة الحق والحرية (الحق يحرركم ) الحرية من الخوف حيث لم نعد لوحدنا يسوع بصحبتنا، الحرية من ألذات أي التحرر من ألذات من عاداتنا ومن سيئاتنا. الحرية من الخطيئة وبالتدريج يجعلنا تلاميذ لأنه يغير ما في داخل الإنسان إذا الإنسان أعطى هذا المجال. قال الرسول بولس ( ان الله اختارنا ) فالخلاص يتوقف تماماً على الله وحده فنحن مخلصين لا لأننا نستحق الخلاص بل لأن الله منعم كريم يعطي الخلاص مجاناً ونحن لم نؤثر في قرار الله بخلاصنا فقد صنع ذلك بناءً على مقاصدهُ هو فالأفضل لنا أطلاقا في خلاصنا ومن الصعب ان ندرك كيف ان الله يقبلنا لكنه اختارنا لنصبح في المسيح وكأننا لم نخطيء أبدا وبهذا نكون أولاد الله.