مثل الغني و لعازر |
لقد استخدم يسوع الأمثال ليوضح لنا عن فكر الله وعن الخطايا التي نعيشها والتي يجب إن ننتبه الى التخلي عنها وتركها لنرجع تائبين إلى حضن الأب.إن الخطيئة التي يحملها هذا المثل هي خطيئة الإهمال, والتي يجب إن نطلب غفران الله عليها.إن هذه الخطيئة تحدث دون إن تسبب للذي يعملها أي صدمة نفسية ولا تبدو بأنها خطيئة لأنها ليست موجودة ضمن لائحة الخطايا الأساسية (القتل, السرقة,الزنا ....)والتي تسبب للإنسان صدمة نفسية تجعل الإنسان يتوب ويرجع طالبا الغفران .ان المثل يوضح موقف الله.فالله لم يحاسب الغني على إهماله إياه بل على إهماله للقريب وهنا تظهر أهمية الوصية (أحبب قريبك كنفسك )
إن خطيئة الغني انه لم ير الفقير الجالس أمام بيته والملئ بالقروح في حين يتمتع هو بالملذات والبيت الفخم والسبب في ذلك هو بعده عن الله متمركزا على ذاته لا ينظر لحاجة الآخرين.لقد كانت هذه صفات الفريسيين الذين اعتبروا الغنى دليل رضى الله عليهم, يسوع أوضح لهم بأن الفقير كوفئ والغني عوقب ليس بسبب غناه بل لأنانيته في استخدام أمواله اذ لم يطعم لعازر الجالس إمام بيته.فالفريسيين تصوروا أنفسهم في منزلة تفوق باقي البشر الأمر الذي جعلهم لا يخضعون لاقوال يسوع (عدد 14)لذا جاءهم يسوع بهذا المثل ليظهر لهم حقيقة حالهم.
إن الغنى كان مظهر من مظاهر الشرف عند الفريسيين ومقياس لقيمة المرء لكن وكما نعرف ان إن شرف الإنسان وقيمته في أخلاقه وفضائله الموجودة في معاملته للآخرين.
فالغني نظر للفقير نظرة دونية, نظرة السيد للعبد فلم يفكر، أن يعطيه كسرة خبز.انه لم يفهم أن السعادة الحقيقية هي ان يجعل غيره سعيدا لأنه فاقد الأيمان, فاقد النعمة, فاقد الخلاص.
أما لعازر كان فقيرا مريضا وغير قادر على المشي ولم ينل مطلبه من الغني المتمتع بالملذات.لكن الموت جاء على الاثنين فهو نهاية الارتباط بالعالم حيث انتقل لعازر من رفقة الكلاب الى رفقة الملائكة وجلس في حضن إبراهيم.انه لم ينل ذلك بسبب فقره بل بسبب صبره الجميل على مضض الأيام وعدم تذمره كان يعلم ان العناية الإلهية ترعاه .كما إن الغني حين انتقل إلى النار ليس بسبب غناه بل قساوة قلبه وعدم الاكتراث بصالح الآخرين.فنجاة لعازر وهلاك الغني متوقفان على عبادة الله بقلب نقي وضمير طاهر.فممكن لأغنى الناس أن يمجد الله فينجو وممكن للفقير ان يهين الله ويهلك فعند دخولنا العالم الآتي لا يسأل ان كنا فقراء أم أغنياء بل يسأل فقط عن القداسة التي بدونها لن نرى الرب فالفقير التجأ إلى رحمة الله ونال غفران الخطايا إما الغني فاكتفى بالمال واستغنى عن الله.والاستغناء عن الله والاكتفاء بما دونه خطيئة يرتكبها الأغنياء والفقراء على السواء.
بدأ الغني ألان يطلب (أي التجأ إلى الصلاة )لشدة حاجته إما حين كان على الأرض لم يكن محتاجا إلى الصلاة وربما كان يصلي الصلاة التقليدية بكلمات يرددها دون ان يكون لها نفع ومعنى ويتصور انه بذلك يخلص ويحسب مؤمنا.إن الصلاة بمعناها الحقيقي هي الصلة مع الله والعلاقة مع شخص لأتعرف بالتدريج على كل صفاته وأتشبه به شيئا فشيئا .فلو كان قد طلب وهو على الأرض الماء لأعطيت إليه انهار ماء حي (إن عطش احد فليقبل إلي )(يأخذ ماء حي مجانا ).لنسأل أنفسنا هل نأتي للصلاة حين نحتاج فقط أم لإدامة العلاقة مع الله, مع شخص يسوع.انه ينتظر لآتي إليه, لأجلس معه, فهل سأتركه ينتظر طويلا. ان ابتعادنا عن الإنجيل يجعلنا نبتعد عن معرفة شخص الله في يسوع وبالتالي كيف سنعرف صفاته, رحمته, محبته وكيف سنعيش هذه الأمور مع الآخرين.
إن لعازر كان غنيا في نفسه في شعوره لما أدرك رحمة الله ومرافقة الله له, رضي بما هو عليه لم يحسد الغني على مائدته ولا على لبسه بل اشتهى الفتات الساقط من مائدته ولم يتذمر بل سكت صابرا......يقول النص (مات لعازر وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم وإما الغني مات ودفن ).
فموت لعازر لم يحسب موتا بل انتقال من عالم الفناء إلى عالم البقاء.
وهناك أمر أخر وهو ذكر اسم لعازر ولا يذكر اسم الغني وهذا يدل إن يسوع يعرف خاصته, أبناءه القريبين منه المتواضعين ولا يعرف المتكبرين لأن الله لا ينظر إلى الناس بحسب أموالهم أو عظمتهم وجمالهم بل ينظر إلى الأيمان والفضيلة والقلب. فالخلاص إذن لا يتوقف على الغنى والفقر لكن على الأيمان ونقاوة القلب ومدى ارتباطه بالله وتسليم حياتنا لله والسير وفق أرادته وهو ما نسميه الغنى الحقيقي والذي يحصل على هذا الخلاص يكون غنيا مهما كان فقيرا.
فخطيئة هذا الغني ممكن ان تكون خطيئتنا نحن اليوم, خطيئة الإهمال, الجمود, الكسل, غياب المبادرات.يجب إن نشترك ببناء عالمنا ومن حولنا وان نبين اتحادنا مع الله في المشاكل التي تواجهنا بالنظر إلى من حولنا وما يحتاجون, إن نقوم بمبادرات في مجال حياتنا, إن نشترك مع الله في خلق شيء جديد, في بناء الملكوت على الأرض, إن نبني أنفسنا ونبني الأخر من خلال نشر المحبة.اليوم الوقت مفتوح لنتقدم إلى الرب لننال الغفران ونكون في حضنه بالتوبة,إن نعي إننا خطاة ونرتمي في حضن الأب الغافر (توبوا فقد اقترب ملكوت الله).إن الله يحبنا وسوف ينسى في كل مرة نرجع إليه, فلو رجع الغني إلى الله وراجع نفسه وحياته لأصبح في حضن الأب.
هل نرى حاجة الآخرين اليوم؟ هل لنا الرغبة في إن نفرح الأخر؟ هل نستطيع الخروج من ذاتنا ونعطي للأخر وكيف؟ إن الطرق كثيرة وعديدة وكل منا حسب إمكانياته ووفق قدراته قد يكون بإطعام فقير أو إعطاء المال أو الخدمة التي فيها نخرج من ذواتنا ونعطي للأخر من وقتنا ,من معرفتنا ,المهم إن نستخدم الوزنات التي أعطانا إياها الرب حينها سنرى بركة الرب على ما أعطانا من وزنات .