٧. الأولاد |
ايها الآباء لا تثيروا غضب أبنائكم، انما ربوهم حسب وصايا الرب وتأديبه
(افسس 6/4).
من المعتاد ان نعتمد على الرجاء والنية الصالحة وننتظر اولادنا ان يكبروا وينضجوا تلقائيًا في الحياة. واذ نبقى نامل ان الأمور تتحسن طبيعيا فان عوائلنا ستعج بالمشاكل. واذ نعتقد انه بسبب كوننا مؤمنين فان اولادنا تلقائيا سيكونوا مؤمنين، نكون على خطأ. فاذا اردنا ان يكون لأولادنا علاقة مع المسيح فنحتاج نحن اولا ان نعرف المسيح.
فعندما يترك اولادنا البيت لا يعني ان ابوتنا او امومتنا قد انتهت، لكن نوع جديد من الحياة قد بدا لهم ولنا، ان اعتمادهم على نفوسهم بالحياة هو ضروري لنضجهم. لكن حاجتهم الينا ليس من المفروض ان تضمحل، لأننا الان اصبحنا كاصدقاء لهم وذوي علاقة ناضجة معهم. اذ تصبح علاقتنا معهم اكثر من (أعمل هذا وهذا)، بل نتعاون مع اولادنا ونُبدي الرأي ونترك لهم القرار، والمسيرة تستمر الى ان نصبح اجداد، وحينها حيث تقل حركتنا يصبح لنا وقت أكثر لنمضيه مع أحفادنا ونعلمهم قيم الكتاب المقدس والصلاة.
اذاً منذ ولادة الطفل الأول، الله يستخدمنا كأداة للخير معهم، فبيدنا انفس الجيل القادم. لا يحبطنا الماضي حتى وان يتضمنهُ الألم لأن من نِعم يسوع علينا أيضا شفاء الماضي الأليم، حتى وان كان الألم في علاقتنا مع اولادنا. لأجل ان نوجه ونُعين اولادنا الى الأيمان، فنحتاج نحن اولاً أن نكون في الأيمان من خلال تدبير الله الخلاصي لنا بأبنه يسوع المسيح.
ان وصولنا لهكذا حالة ما هو الا مؤشر الى وجود ألم نفسي عند الطفل وحتى عند الوالدين. هذه الجروحات النفسيه هي جروحات لا تراها العين، والذهن لايستطيع ان يميزها، لكن القلب يشعر بها. فالمشاعر الجريحة مثل الحزن، فقدان الأمان، الانسحاب، الغضب، التوتر، الخوف، تؤثر بدورها على الشخص (طفلاً/ بالغاً) وتؤثر على علاقته مع الآخرين.
فإن جذر أي مشكلة روحية مستديمة ربما هو جرح نفسي مخفي، فإذا كنا قد سببنا لأطفالنا/ أولادنا جرح نفسي، فالأبن سوف يقيم حاجزا ينقسم به علينا ويبقى بمعزل عنا (الوالدين) بالرغم من محاولات التقرب، لأنه يُفضل ان يبقى بعيدا عن والديه لكي لا يُجرح، مرة اخرى. وربما يُعبر عن هذا بالغضب المفاجىء او بتصرفات مؤذية للنفس.
ومن المؤسف ان رد فعل الأهل اللذين لا يستطيعون تمييز ما يحصل، هو "تصليح" تصرفات الطفل غير واعين على حقيقة ان هذه التصرفات هي اصلا متجذرة في جرح طفلهم المخفي. لذلك ان طفلهم لا يحتاج الان الى تصليح التصرفات بل الى شفاء الجرح.
لذلك يقول الكتاب "ايها الآباء لا تثيروا غضب أبنائكم. انما ربوهم حسب وصايا الرب ( الرحمة، سد الأحتياج، المحبة اللامشروطة) وتاديبه" (افسس 6/4).
إن المسبب الرئيسي لهذه الجروحات هو الأحتياج النفسي غير المُلبى / المُسدد:
وقصور الوالدين في تسديد احتياج طفلهم في النقاط اعلاه وباستمرار سيُنشىء عند الطفل/ الولد الأمر المعاكس لهذه الأحتياجات : فقدان الأمان/ فقدان القيمة الذاتية / فقدان الأهمية.
إن اطفالنا/ اولادنا يحبوننا، (فالله خلقهم لكي يحبوننا ويحتاجوننا) لكن بسبب الجروحات التي سببناها لهم، فهم ايضا يُفضلون الأبتعاد عنا. وسوف لا نصل الى اي نتيجة ايجابية معهم الا في حالة مواجهتنا لهذه الجروح ومعالجتها معا، والذي يقود الى نهضة نوعية في العلاقة معهم.
فبالأضافة الى اننا نكون قد جرحنا أولادنا، لكن نحن أيضًا مجروحين من قبل والدينا (أي هناك طفل جريح في داخلنا)، وربما نفس نوع الجرح.
فالأم التي تريد الأفضل لأبنتها لا تميز بأن علاقتها مع أبنتها تتأثر والى حد التشويه بسبب جروحات في نفسها هي وبسبب احتياجات غير مُلباة لها. او الأب الصعب المراس يبني افتراضات غير صحيحة عن ابنه وذلك بسبب النقص الذي في داخله هو.
فكلما كانت للوالدين علاقة شخصية قريبة مع يسوع كلما تقل نسبة جروح الأطفال، لأن العلاقة الشخصية القريبة مع يسوع تُخرج الأنسان اكثر عن ذاته / انانيته ويكون متجهًا للأخر، اضافة الى ان العلاقة مع يسوع تسدد الاحتياج وبالذات، وكما ذكرنا سابقا، الحاجة الى الأمان والقيمة الذاتية والحاجة الى الأهمية.
وفي كل وقت يختار الوالدين الذات بدل ابنهم (وبالذات اذا كانت علاقتهم ضعيفة مع يسوع)، فالأبن ينفصل عنهم وبالتدريج وينشأ هذا الحاجز، وبمرور الوقت يوجد الطفل له مخرجا / مهربا يعوض به عن فقدان الحب (العلاقة مع الأهل)، لكن هذا المخرج / المهرب يكون مؤذياً له، وهنا سينشأ الجرح النفسي. وما لم يقترب الوالدين من الرب ومن الطفل يبقى الطفل بعيداً ويستمر الأهل يشعرون بالذنب والتوتر وايضاً الأكتئاب.
الاولاد هم (اطفالنا، اولادنا الشباب، اولادنا المتزوجين).
ان ارادة الله هو ان نمتلك علاقة عميقة ونافعة مع كل ابن من ابناءنا، ومن خلال هذه العلاقة نستطيع ان ندربهم / نعلمهم / نؤثر عليهم لكي ينموا هم ايضا في حياتهم من خلال علاقة شخصية مع يسوع.
ولكي نحافظ على علاقة صحيحة مع الأولاد نحتاج دائما الى شفاء اي جرح ينشأ بيننا وبينهم، لكن لأجل ان يتم هذا نحتاج نحن ايضا ان نُشفى من جروحنا مع اهالينا (اباءنا وامهاتنا).
اي ان هناك علاقة بين الجرح الذي بيني وبين ابني / ابنتي، وبيني وبين والديَ انا.
احيانا تكون الجروح معروفة واحيانا تكون غير معروفة لأنها مدفونة لكن تُصاحبها مشاعر اليمة تحتاج ان تخرج الى السطح لتُشفى.
فمعظم الاحيان يكون سوء علاقتنا مع الأولاد هي امتداد لسوء علاقتنا مع اهالينا (الطفولية، الطفل الجريح في داخلنا).
ان سوء العلاقة يتضمن الكثير من عدم المغفرة عند الاولاد (اولادنا تجاهنا ونحن الاباء تجاه ابوينا). وعند الوالدين ايضا، تجاه اولادهم.
ومن المهم ان يبادر الوالدان لمعالجة الامر بالتكلم معه، وبالغفران مع المحافظة على شعوره بالأمان.
ولكي تُشارك في شفاء الجذور:
ليساعدنا الرب يسوع المسيح.
آميـــن