٢. الأسس الكتابية |
هناك اربعة أسس للزواج المسيحي والتي يكشفها لنا الكتاب المقدس:
ما جاء في الفصل الثاني من سفر التكوين عن خلق الإنسان الأول (آدم وحواء)، يسرد لنا الكاتب الملهم ما يشير إلى الزواج كما أراده الله منذ البدء.
"وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض ونفخ في انفه نسمة حياة فصار آدم نفسًا حية" (2/7).
"وقال الرب الإله لا يحسن أن يكون آدم وحدهُ، فأصنع له مثيلا يعينهُ" (2/18).
عندما خلق الله في البدء النور والشمس والقمر والنبات والحيوان نلاحظ تكرار عبارة
"ورأى الله أن ذلك حسن"
، لكن بعد خلق آدم نلاحظ ذكر كلمة "لا يحسن"…
"لا يحسن أن يكون آدم وحده"
2/18، وكلمة لا يحسن تكشف أو تشير لنا عن نقص معين بالنسبة لخلق آدم (الرجل) وكما يراه الله. وان هذا النقص شعر به آدم أيضًا بحيث لا الطبيعة ولا الحيوانات ولا العمل ولا السلطة سدّت هذا النقص عند آدم (2/15 و19-20). فكانت هناك الحاجة لخلق جديد، حواء/المثيل المعين لسد هذا النقص.
ان مبدأ التكافؤ والتكامل نراه، في كلام الرب اعلاه (تك 2: 18)، والذي يكشف لنا بان حواء هي المثيل المُعين. اما المثيل فيشير الى التكافؤ والمُعين يشير الى التكامل.
إن الأساس الثاني للزواج المسيحي يأتي كنتيجة لخلق حواء "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويتحد بامرأته فيصير الاثنان جسدًا واحدًا.
إن الأساس الثاني للزواج المسيحي (الوحدة) يمر بثلاثة مراحل كما جاء في تك 2/24.
إن عبارة "يترك الرجل أباه وأمه" لا تعني بالطبع رفض الوالدين وإهمالهم وعدم الاكتراث لكل ما قدموه لنا، لأن تبقى وصية الرب لنا "أكرم أباك وأمك…" مدى الحياة. ولكن يترك تعني الانتقال من سلطة الوالدين وتأسيس حالة أو هيكلية جديدة ذات سلطة جديدة (بيت الزوجية).
إن كلمة "يترك" ليست كلمة ذات مدلول جغرافي أي ترك بيت الأهل لكنها تشير إلى أمر أعمق إلا وهو الاستقلال أو الانفصال عن روابط الأهل الأساسية، وهذا الأستقلال يكون ودي وتدريجي.
هناك روابط نفسية تربطنا مع الأهل منشأها احتياجات مختلفة مثل الحاجة إلى الانتماء والحاجة إلى الأمان والحاجة إلى القيمة الذاتية، والمحبة هي مصدر هذه الاحتياجات إن كانت محبة الرب لنا أو محبة الأهل أو محبة الزوجين لبعضهما البعض. والكلمة ترك، تعني كسر هذه الروابط النفسية مع الأهل بسبب الاحتياجات أعلاه بحيث يكون البيت الزوجي هو الذي يوفر هذه الاحتياجات للزوجين في حياتهم الجديدة. فالترك يعني التوقف عن الاعتماد على الغير ماديًا أو معنويًا.
إذا كانت كلمة "ترك" تعني الانفصال عن التزامات سابقة، فإن كلمة "يتحد" ترمز إلى تقديم الذات كليًا إلى علاقة جديدة. الاتحاد تعني الالتزام الزوجي والوقوف أمام أي قوى تهدد بتفشيل الوحدة الزوجية.
إن الاتحاد الزوجي (الوحدة الزوجية) يكون في عدة مجالات:إن الوحدة في أفضل حالها عندما يكون الاثنان واحد في المسيح، بالرغم من الاختلافات. وان هذه الوحدة لا تتحقق إلا بحضور الرب يسوع المسيح في بيت الزوجية، لأن إرادة الله هو "ليكونوا واحد كما أنت وأنا واحد" (يو17).
إن هذه العبارة ترمز إلى العلاقة الجنسية بين الزوجين والتي هدفها هو تكوين الروابط بين الزوجين وتدعيمها، لأن إرادة الله للجنس في العلاقة الزوجية، هو أن يكون أكثر من علاقة جسدية، فهو تعبير جسدي لقرب فكري ونفسي وروحي.
إن الأساس الثالث للزواج المسيحي (الديمومة) مبني على أن الله التزم البشرية بتجسد المسيح ولن يرفضها حتى لو أخطأت.
إن احتضان الله للبشرية وحبه إياها وارتباطه بها لا عودة فيه، لأنه مبني على وفاء الله بوعوده رغم خيانة الإنسانية له. فبسبب، إن سر الزواج يتمثل بسرّ اتحاد المسيح بالكنيسة، لذلك فالزواج ايضا اساسه التزام الطرفين بعضهما بعضًا (الديمومة) كالتزام المسيح للكنيسة.
ان الرب يسوع المسيح، في انجيل متى 19 ، يشير الى ان قساوة القلب لكلا الطرفين هو العائق الرئيسي لديمومة الزواج.
ان قساوة القلب هذه علاجها الغفران المتبادل بحسب وصية الرب يسوع "وكما غفر الرب لكم هكذا اغفروا بعضكم بعضاً".
وهي محبة الحاجة، كالحاجة إلى العاطفة، الأمان، الاستقرار، الانتماء. إن محبة الحاجة هي المسبب الرئيسي لمعظم الزيجات، لكن هذا لا يعني أن المرحلتين الأخريين من المحبة غير موجودتان.
إن المحبة الجسدية هي محبة إنسانية تتسم بالأخذ، وهي تتوجه في بداية الزواج على الجاذبية الجنسية. علمًا بأن الطاقة الجنسية يجب أن تخدم الهدف المقصود منها داخل اطار الزواج، إلا وهو تكوين روابط بين الزوجين وتدعيمها. لكن إذا استخدمت الطاقة الجنسية كمجرد وسيلة لإشباع رغبة فستنحرف عن تأدية وظيفتها وتخرج من هدفها الرئيسي. فعندما ينفصل الجنس عن الحب يكون دنسًا وحيث يرتبط به يكون طاهرًا.
إن المحبة الجسدية (محبة الحاجة) قصيرة العمر، إذ تشيرُ الدراسات إلى انها تتراوح بين ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات. فإذا أخذت بالاضمحلال ولم يكن هناك المرحلتين الأخريين للمحبة فالزواج يكون في خطر.
محبة الصداقة - محبة الأخذ والعطاء / Philia
إن محبة الصداقة هذه تقدر على إقامة علاقة تعجز عنها المحبة الجسدية. إن هذه العلاقة أساسها الرفقة والحوار والتعاون وهي تحتاج وقت لكي تنضج.
إن هناك ما يكفي من المحبة الجسدية في معظم الزيجات لكي ينجذب الزوجان أحدهما للآخر، لكن إذا محبة الصداقة لا تبدأ شعلتها فإن العلاقة الزوجية تضمحل.
إن المحبة الزوجية تتضمن المراحل الثلاث للمحبة وان المحبة الإلهية لا تلغي المحبة الجسدية ومحبة الصداقة بل تطورهما وتمنحهما الحياة.
إن أقدس الأمور تفقد قدسيتها برتابة الحياة اليومية وتكرار الزمن. لكن نعمة حضور المسيح في سر الزواج وتأكيده "ان اجتمع اثنين باسمي فأنا أكون في الوسط"، تحوّل المحبة الزوجية إلى محبة ناضجة، تفوح عطرًا خاصًا هو رائحة المسيح الذكية (2كور 2/14-15).
نرد أدناه ما كتبه الأب كارل راهنر اليسوعي، أحد أكبر اللاهوتيين المعاصرين:
الحياة تتطلب الاختيار بين طرق لا يُسمح فيها بالعودة إلى الوراء… فمن المستطاع لا بل من الضرورة أن يكون في الحياة قرارات تتخذ نهائيا، تقود إلى المجهول ولا عودة فيها إلى البدء. فمن ينقصه الإيمان، من لا يقبل جهالة الصليب، من لا يرجو حيث لا رجاء، من لا يطيع طاعة عمياء، على مثال ابراهيم، من لا يستند على الصلاة، لا يقدر على ذلك، لأن الزواج المسيحي هو دعوة الهية .