٤. طريق الخلاص |
روحُ الربّ عليَّ، لأنه مسحني لأُبشر المساكين، أرسلني لأنادي للمأسورين بالحرية وللعميان بعودة البصر إليهم… لأحرر المظلومين
لوقا 4: 18
تكلمنا عن تشويه الصورة الأصلية للإنسان بأختياره الخاطئ بالإبتعاد عن الله مصدر الحياة، وإن هذا التشويه يشمل كل جوانب الإنسان. أما هنا فسنتأمل في استعادة الصورة الأصلية والذي يتضمن جهتين، الله والإنسان، فهناك دور لله ومسؤولية للإنسان.
إن إرادة الله للجنس البشري هي الحياة، والكتاب المقدس مليء بوعود الله للإنسان لحياة أفضل، فهو إله الوعد. وأن أول وعد أعطاه الله الآب للإنسان بالخلاص (استرجاع الصورة) بعد السقوط مباشرة: "بينك وبين المرأة أقيم عداوة وبين نسلك ونسلها، فهو يترقب منك الرأس وأنتِ تترقبين منهُ العقب" (تكوين 3/15).
إذ أن المقصود في الأصل بهذا القول هو قول لعنة (الله يلعن الحية) وليس قول بركة, فهو يصوّر صراعًا بين جنسين: بين الإنسان والحية. وبهذا يتبين أن الحياة الإنسانية يجب أن لا تنقاد إلى اليأس. لذلك استطاع آباء الكنيسة أن يفسروا قول اللعنة الأصلي للحية وكأنهُ كلمة وعد وأن يفهموه كأنه إشارة إلى يسوع المسيح. فالمسيح هو "النسل" الذي سيسحق رأس الحية، ويحرر البشرية من لعنة الخطيئة.
والله الآب في هذا الكلام يعدنا بحل للتلف الذي تمّ في الإنسان بسبب السقوط وابتعاده عن الله. وتتبين لنا رواية السقطة الأولى في الجنة أن نعمة الله تبقى هي السائدة. ومع إن الإنسان كان مهددًا بالموت بسبب السقوط (تكوين 3/3)، فإن عطف الله يفتح لهُ طريق الحياة والخلاص (استرجاع الصورة الأصلية).
إن رواية السقطة الأولى وكل روايات الخطايا في الكتاب المقدس تنتهي بالوعد بالخلاص. كلها تؤكد بأن الله لا يريد موت الخاطئ بل أن يحيا.
كذلك في سفر (اشعيا 42، 50، 53، 61)، رأى آباء الكنيسة وعودا من الآب بإرسال المخلص كما في (اشعيا 42/1، 61/1). "ها عبدي الذي أساندهُ والذي اخترته ورضيتُ به جعلت روحي عليه، فيأتي للأمم بالعدل… فشريعته رجاء الشعوب" (اشعيا 42/1). وفي اشعيا 61/1: "روح السيد الرب عليّ، لأن الرب مسحني لهُ أرسلني لأبشر المساكين وأجبر المنكسري القلوب، لأنادي للمسبيين بالحرية وللمأسورين بتخلية سبيلهم".
مما ورد أعلاه يتبين لنا أن الله أعطانا وعودا للخلاص من خلال تدبيره الخلاصي للبشر بيسوع المسيح مخلصنا. إن الله أعطانا الخلاص لأنهُ "الله محبة" وهو أبو البشرية، الخالق، وهي عمل يديه.
الله الذي لا يجازي البشرية بحسب خطاياها، بل كبعد المشرق عن المغرب أبعد عنها معاصيها. وكارتفاع السماء عن الأرض إرتفعت رحمته على خائفيه.
الله محبة بل هو إله المحبة غير المشروطة، يفتح لنا ذراعيه لكي نرجع لهُ فيقدم لنا خلاصه،...
"فقام ورجع إلى أبيه فرآهُ أبوه قادمًا من بعيد، فأشفق عليه وأسرع إليه يعانقهُ ويُـقـبَّـلهُ. فقال لهُ ابنه الأصغر: يا أبي، أخطأتُ إلى السماء واليك، ولا أستحق بعد أن أدعى لك ابناً".
فقال الأب لخدمه، أسرعوا هاتوا أفخر ثوبٍ والبسوهُ، وضعوا خاتمًا في اصبعهِ وحذاءً في رجليه، وقدموا العجل المُسمن واذبحوه، فنأكل ونفرح، لأن… ابني هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالاً فوجد. فأخذوا يفرحون" (لوقا 15/20-25).
مما ورد أعلاه يتبين لنا أن الله أعطانا وعودا للخلاص من خلال تدبيره الخلاصي للبشر بيسوع المسيح مخلصنا الذي حقق وعد الله الآب للبشرية. جاء الرب يسوع المسيح لكي يكشف لنا وجه الآب (طريق خلاصنا) لاستعادة الصورة وذلك من خلال تجسده، حياته، تعاليمه، أعماله، صلبه، قيامته وصعوده إلى السماء.
تُشير كلمة الرب في اشعيا 53 (عبد الرب المتألم)، إلى الخلاص الشامل الذي حققهُ الرب يسوع لنا على الصليب، خلاص الإنسان بكل جوانبه روحًا ونفسًا وجسدًا (استرجاع الصورة). "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل خطايانا، سلامنا (مع الآب ومع الإنسان ومع النفس) اعدَّهُ لنا، وبجراحه شفينا". فيسوع المسيح بموته على الصليب، هو حامل خطايا العالم، إذ بغفرانه خطايانا منحنا خلاص أرواحنا نحن الذين ضللنا في الخطيئة وابتعدنا عن الرب: "كلنا كالغنم ضللنا، مال كل واحد إلى طريقه، فألقى عليه الرب اثمنا جميعًا".
فقد تحمل يسوع آلاما نفسية كالاحتقار والنبذ "محتقرٌ ومنبوذ من الناس، وموجع متمرس بالحزن..."، وكذلك الظلم "ظلم وهو خاضع…" ، و"بالظلم أُخذ وحكم عليه.. وضرب لأجل معصية شعبه" ، ويضيف اشعيا عن آلام يسوع النفسية على الصليب فيصفه بالمنكوب، المسحوق، المصاب - غير المعترف به. فهو حمل عاهاتنا وتحمل أوجاعنا "إذ تألم مجرّبًا يقدر أن يُعين المجرَّبين"، لذلك نستطيع أن نأتي عنده ونسلمهُ أثقالنا وآلامنا النفسية.
لنشكر الله لأن من يتهم الذين اختارهم الله، والله هو الذي بررهم ؟ ومن يقدر ان يحكم عليهم ؟ والمسيح يسوع هو الذي مات ، بل قام، وحطم سلطان الموت أذ منحنا حياة الله وفتح لنا باب الملكوت ورجاء الحياة الأبدية، وهو الآن عن يمين الله يشفع لنا، وبذلك تمم أستعادة الصورة لكل من يؤمن به ويتبعه، له كل المجد.
"تعال أيّها الروحُ من الرياح الأربع وهُبَّ في هؤلاء الموتى فيحيوا… فتنبأتُ كما أمرني (الرب)، فدخلَ فيهم الروحُ فحيوا وقاموا على أرجلهم جيشًا عظيمًا جدًا…" (حزقيال 37/9-10)
إن الفراغ (الحيرة/ الضيق/ عدم الشبع/ عدم الاستقرار/ التيهان/ فقدان الأمان) الذي يشعر به الإنسان في مختلف أبعاد كيانه (روحًا ونفسًا وجسدًا)، إنما هو نداء يوجهه الله إلى الإنسان للارتقاء إليه. وإن الإنسان الذي يستجيب لهذا النداء فيحصل على الخلاص هو كالمريض الذي تُعاد إليه عافيته، وكالأعمى الذي يُعاد إليه بصرهُ، وكالمخلّع الذي تعاد إليه قدرته على السير، وكالأبرص الذي تعاد إليه نقاوته. إنهُ كالعبد الذي يُحرَّر من عبوديته ويعود إلى حريته. وربما كل هذه مع بعض (مجتمعة).فالخلاص هو الانتقال من الموت إلى الحياة، هو العودة إلى حضن الأب والمكوث فيه.
إن مسؤولية الإنسان في الخلاص هي:فعندما يكشف لنا روح ألله عن الأمور السلبية التي فينا، بما في ذلك خطايانا ونمط حياتنا الخاطئ وذكرياتنا الأليمة وأفكارنا الضالة ومشاكلنا النفسيّة…فالروح القدس يكشف لنا أيضًا عن تدبير الله ألخلاصي للبشرية. وهنا سوف نوضع أمام مسؤولية اتخاذ ألقرار، أما أن نستمر في نمط حياتنا الخاطئ والمتعب أو أن نرجع إلى الله ونطلب التغيير وهذا من خلال قبولنا لتدبيره ألخلاصي الذي حققهُ لنا الرب يسوع المسيح.
إذ نعترف إلى الله بخطايانا وبكل الأمور السلبية التي فينا، نُسَلّم (نقدم) حياتنا ونفوسنا له فإن الروح القدس:ففي ساعة الولادة الجديدة (الأهتداء) ستتجدد روح الإنسان آنيًا، أما نفسهُ وجسدهُ فنسبيًا، لأن اهتداء النفس والجسد يتم تدريجيًا وعلى طول حياتنا الأرضية حيث نختبر:
نشكر الله لأجل محبته الفائقة للبشرية ...
"هكذا أحب الله العالم حتى وهب أبنه الأوحد، فلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون الحياة الأبدية.والله أرسل أبنه الى العالم لا ليدين العالم، بل ليخلص به العالم". يوحنا 3: 16-17
ترتيلة: هل أطرق بابك | ||
هل أطرق بابك بعد ضياع الكل | أو يصلح أن أقترب إليك بذلي | |
ضيعت أنا فرحتي مني بجهلي | قد كنت حبيبي وخلّي أنت بل أهلي | |
وتركتك لكني أعودُ فترحمني | ولا بيدي إلا الوعد ليسترني | |
والقلب بأحشائي يناديك أجبرني | أشتاق لحضن الآب وعطفه يقبلني | |
جملني فقبحي قد ذهب حتى الأحشاء | وسواد الليل تسرب فيَّ أنتشر الداء | |
اشتاق لخالق من عدم يدعو الأشياء | فيغير قلبي ويلبسني حللا بيضاء |
فلنتشجع ونقول مع بولس الرسول :
"ولكن حيث كثرت الخطيئة فاضت نعمة الله ، حتى انه كما سادت الخطيئة للموت ،تسود النعمة التي تبررنا بربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية" رومية (5: 20-21)