١. أساسيات في الإرشاد المسيحي |
أنا الربُ دعوتُكَ في صدقٍ، وأخذتُ بيدِكَ وحفظتُك… لتفتحَ العيونَ العمياء، وتُخرجَ الأسرى من السجونِ والجالسينَ في الظلمةِ من الُحبوسِ
(اشعيا 42/6-7)
إن أفضل طريقة للتعرف على الإرشاد المسيحي، هي من خلال التأمل في أسلوب تعامل يسوع المسيح مع الأفراد، أي مع الفرد الواحد وبالذات مع الذي كان يطلبهُ.
جاء الرب يسوع إلى أرضنا لكي يكشف لنا عن وجه ألآب وحياة الملكوت، كما يذكر لنا البشير يوحنا "ما من أحدٍ رأى الله، الإله (الابن) الأوحد الذي في حضن ألآب هو الذي أخبرَ عنه" (يوحنا 1/18). فالكرازة لجموع غفيرة والتعليم واجتراح المعجزات وشفاء المرضى، ما هي إلا تحقيق لرسالة يسوع المسيح هذه. لكننا في مرات عديدة نرى أن الرب يسوع كان يلتقي بانفراد مع بعض الأشخاص، إذ يعطي لكل شخص من وقته وإصغائه وفهمه. وليسوع أسباب لمثل هذه اللقاءات، كأن يرى حاجة الشخص إلى الغذاء الروحي (نيقوديموس)، أو إلى الشفاء الجسدي (النازفة)، أو إلى رّد اعتبار اجتماعي وشفاء روحي (زكا)، أو إلى التحرر من قيود الخطايا (المرأة الخاطئة)، أو التحرر من عقد الذنب (بطرس) وحالات أخرى، نرى فيها أن لقاءات الرب يسوع الفردية مع الناس لها أثر على الإنسان بأكمله أي على جانب الروح والنفس والجسد.
إن خدمة الإرشاد المسيحي ليست عونا نفسانيا ولا اعترافاً ولا وعظاً ولا نصحاً اجتماعيا.
وهي تتضمن مرافقة الفرد وتقديم المساعدة لهُ لمواجهة ذاته وحياته واحتياجاته في ضوء الكتاب المقدس، ليكتشف يسوع المسيح الذي صالحنا مع الله من خلال تدبيره ألخلاصي للبشر.
يتناول الإرشاد المسيحي محاولة الشفاء الشامل للإنسان وتحريره من آثار الخطيئة بما في ذلك جروحات الحياة والذكريات الأليمة المخزونة والأفكار الخاطئة عن الله والنفس والآخر.
إن هدف الإرشاد المسيحي هو تصحيح صورتنا عن الله و بالتالي شفاء علاقة الإنسان مع الله والنفس والآخر، وهو يعتمد على مرافقة ونعمة الروح القدس الشافية فهو معجزة لنعمة الله المحولة حيث يأخذ الله كل مشاكلنا النفسية واحباطاتنا وسلبياتنا ويستخلص منها شيئا صالحا محولا بذلك أمراضنا الداخلية إلى صحة ونفع.
أما أدوات الإرشاد المسيحي فهي الحوار، الصلاة (بأنواعها)، الكتاب المقدس والحضور الإلهي.
ان المؤشرات اعلاه اذا لم تعالج ممكن ان تقود الأنسان الى مشاكل صحية مثل الصداع المزمن، عسر الهظم، أوجاع المفاصل...الخ، بما يدعى بالأمراض النفسجسمانية، وكثير من الاضطرابات الوظيفية الاخرى لجسم الانسان، اضافة الى امور نفسية كالكوابيس والفكر المشتت والمضطرب والقلق المستمر والأكتئاب والمخاوف المختلفة... الخ.
هناك ثلاث حقائق مهمة في تاريخ الخلاص وخطة الله من أجل البحث عن الإنسان الذي مزّقته الخطيئة وصار تحت وطأة الألم والموت:
من هذه الحقائق الثلاثة، يأتي تعريف الإرشاد المسيحي، بانه العمل مع يسوع وبمعونة الروح القدس لاستعادة الصورة الأصلية الإلهية للإنسان المتألم. وهذا يتحقق بواسطة التزام الله للإنسان من خلال تدبيره الخلاصي لهُ بابنه يسوع المسيح.
إن الكلمات المباركة أعلاه تكشف لنا عن محبة الله للبشر بابنه يسوع المسيح، فهو يقبل كل المتعبين باختلاف أنواع التعب والألم، ويبدل التعب بالصحة لأنهُ ينقلنا من الظلام إلى النور، ومن الموت إلى الحياة بل ويدعونا نور العالم وملح الأرض، أي يعطي للإنسان بعد شفائه مسؤولية بناء النفس وبناء الآخرين… "فيكونون أشجار سنديان الحق واغراسًا للرب يتمجد بها، ويبنون الخرائب القديمة ويرممون منها ما تهدم". وهنا تصدق كلمات بولس الرسول: "وإذا كان أحدٌ في المسيح، فهو خليقة جديدة، زال القديم وها هو الجديد. وهذا كله من الله الذي صالحنا بالمسيح وعهد إلينا خدمة المصالحة" (2كو 5/17-18).
وهذا ما تشهد عنهُ حياة أناس في الكتاب المقدس اختبرت هذا الانتقال من القديم إلى الجديد ومن الموت إلى الحياة مثل:
لأن شعب الله (نحن) هو شعب خاطئ، لكنه مغفور الإثم، فالله يدعو ويشفي ويرسل، وان خدمة الإرشاد المسيحي تساهم في هذا العمل في بنيان شعب الله "الكنيسة" بمعونة الروح القدس وعلى طرق الرب يسوع الذي يقول: "وعلموهم بكل ما أوصيتكم به… وها أنا معكم كل الأيام… آمين".